سورة الحاقة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14)}
قوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ} قراءة العامة بتخفيف الميم، أي رفعت من أماكنها. {فَدُكَّتا} أي فتتا وكسرتا. {دَكَّةً واحِدَةً} لا يجوز في دَكَّةً إلا النصب لارتفاع الضمير في فَدُكَّتا.
وقال الفراء: لم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة، والأرض كالجملة الواحدة. ومثله: {أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً} [الأنبياء: 30] ولم يقل كن. وهذا الدك كالزلزلة، كما قال تعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} [الزلزلة: 1].
وقيل: فَدُكَّتا أي بسطتا بسطة واحدة، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره. وقد مضى في سورة الأعراف القول فيه. وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر {وحملت الأرض والجبال} بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني. كأنه في الأصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملائكتنا الأرض والجبال، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني فبني له. ولو جئ بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه، فكأنه قال: وحملت قدرتنا الأرض. وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال: حملت الأرض الملك، كقولك: ألبس زيد الجبة، وألبست الجبة زيدا.


{فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)}
قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} أي قامت القيامة. {وَانْشَقَّتِ السَّماءُ} أي انصدعت وتفطرت.
وقيل: تنشق لنزول ما فيها من الملائكة، دليله قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] وقد تقدم. {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ} أي ضعيفة. يقال: وهي البناء يهي وهيا فهو واه إذا ضعف جدا. ويقال: كلام واه، أي ضعيف. فقيل: إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهي ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا.
وقيل: لهول يوم القيامة.
وقيل: واهِيَةٌ أي متخرقة، قاله ابن شجرة. مأخوذ من قولهم: وهى السقاء إذا تخرق. ومن أمثالهم:
خل سبيل من وهى سقاؤه *** ومن هريق بالفلاة ماؤه
أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. {وَالْمَلَكُ} يعني الملائكة، اسم للجنس. {عَلى أَرْجائِها} أي على أطرافها حين تنشق، لان السماء مكانهم، عن ابن عباس. الماوردي: ولعله قول مجاهد وقتادة. وحكاه الثعلبي عن الضحاك، قال: على أطرافها مما لم ينشق منها.
يريد أن السماء مكان الملائكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها.
وقال سعيد بن جبير: المعنى والملك على حافات الدنيا، أي ينزلون إلى الأرض ويحرسون أطرافها.
وقيل: إذا صارت السماء قطعا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها.
وقيل: إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم، فيندوا كما تند الإبل، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا.
وقيل: عَلى أَرْجائِها ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة. وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جبير. ويدل عليه: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: 25] وقوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن: 33] على ما بيناه هناك. والارجاء النواحي والأقطار بلغة هذيل، واحدها رجا مقصور، وتثنيته رجوان، مثل عصا وعصوان. قال الشاعر:
فلا يرمى بي الرجوان أني *** أقل القوم من يغني مكاني
ويقال ذلك لحرف البئر والقبر. قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ} قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله.
وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم، ثمانية أم ثمانية آلاف. وعن النبي صلي الله عليه وسلم: «أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين فكانوا ثمانية». ذكره الثعلبي. وخرجه الماوردي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية».
وقال العباس بن عبد الملك: هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال. ورواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي الحديث: «إن لكل ملك منهم أربعة أوجه وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر وكل وجه منها يسأل الله الرزق لذلك الجنس». ولما أنشد بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم قول أمية بن أبي الصلت:
رجل وثور تحت رجل يمينه *** والنسر للأخرى وليث مرصد
والشمس تطلع كل آخر ليلة *** حمراء يصبح لونها يتورد
ليست بطالعه لهم في رسلها *** إلا معذبة وإلا تجلد
قال النبي صلي الله عليه وسلم: «صدق».
وفي الخبر: «أن فوق السماء السابعة ثمانية أو عال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء وفوق ظهورهن العرش». ذكره القشيري وخرجه الترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب. وقد مضى في سورة البقرة بكماله. وذكر نحوه الثعلبي ولفظه.
وفي حديث مرفوع: «أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما للطائر المسرع».
وفي تفسير الكلبي: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة. وعنه: ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء من الملائكة. ثم ذكر عدة الملائكة بما يطول ذكره. حكى الأول عنه الثعلبي والثاني القشيري.
وقال الماوردي عن ابن عباس: ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون. والمعنى ينزل بالعرش. ثم إضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت، وليس البيت للسكنى، فكذلك العرش. ومعنى: فَوْقَهُمْ أي فوق رؤوسهم. قال السدي: العرش تحمله الملائكة الحملة فوقهم ولا يحمل حملة العرش إلا الله.
وقيل: {فَوْقَهُمْ} أي إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها.
وقيل: فَوْقَهُمْ أي فوق أهل القيامة.


{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18)}
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} أي، على الله، دليله:- عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا وليس ذلك عرضا يعلم به ما لم يكن عالما به، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة.
وروى الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله». خرجه الترمذي قال: ولا يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. {لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ} أي هو عالم بكل شيء من أعمالكم. ف خافِيَةٌ على هذا بمعنى خفية، كانوا يخفونها من أعمالهم، قاله ابن شجرة.
وقيل: لا يخفى عليه إنسان، أي لا يبقى إنسان لا يحاسب.
وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص: لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر.
وقيل: لا تستتر منكم عورة، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: «يحشر الناس حفاة عراة». وقرأ الكوفيون إلا عاصما {لا يخفى} بالياء، لان تأنيث الخافية غير حقيقي، نحو قوله تعالى: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 67] واختاره أبو عبيد، لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور. الباقون بالتاء. واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7